الاعتراف بفلسطين- تحول أوروبي يواجه مخططات إسرائيل
المؤلف: عبدالرحمن الطريري08.24.2025

تُصنف دول العالم إلى ثلاثة أقسام رئيسية من حيث الاعتراف بسيادتها واستقلالها. فمنظمة الأمم المتحدة تعترف رسميًا بـ 193 دولة كأعضاء كاملي العضوية. بالإضافة إلى ذلك، توجد ما يقارب العشر دول التي تحظى باعتراف محدود من المجتمع الدولي، مثل كوسوفو وتايوان وغيرها من الكيانات السياسية. وهناك دولتان تتمتعان بصفة مراقب غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهما الفاتيكان (الكرسي الرسولي) وفلسطين.
لقد مُنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة منذ عام 1974. وفي تطور هام، حصلت دولة فلسطين على العضوية بصفة مراقب في نوفمبر من عام 2012، وذلك في استجابة لتعثر مسيرة السلام وتهدف إلى دعم الشعب الفلسطيني في تحقيق تقرير مصيره. وقد صوتت أغلبية ساحقة من الدول، تجاوزت نسبتها 70%، لصالح هذا القرار التاريخي.
لطالما كانت الدول العربية والإسلامية هي الداعم الرئيسي والتقليدي للحقوق الفلسطينية المشروعة، مدعومةً بمساندة قوية من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وعلى النقيض من ذلك، ظل الاعتراف الأوروبي والغربي بفلسطين محدودًا للغاية، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى الاعتبارات السياسية المتعلقة بإسرائيل.
إلا أنّ العقد الأخير شهد تصاعدًا ملحوظًا في الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين. كانت السويد أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتخذ هذه الخطوة الجريئة في عام 2014. وسبقتها في ذلك دول أوروبية لم تكن منضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي آنذاك، مثل التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا. لكن الحرب الأخيرة التي اندلعت في السابع من أكتوبر عام 2023، شكلت حافزًا إضافيًا للعديد من الأوروبيين للاقتناع بأن حل الدولتين يمثل الخيار الأمثل والوحيد لوقف نزيف هذا الصراع المزمن.
وفي هذا السياق، بادرت كل من إسبانيا وإيرلندا والنرويج إلى الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين العام الماضي. وقد مثّل هذا الإعلان إيذانًا ببدء دخول دول أوروبا الغربية في مسيرة الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، على الرغم من أن الجميع يتجنب الخوض في تفاصيل حدود هذه الدولة.
ممّا لا شك فيه أن تزايد أعداد الدول التي تعترف بفلسطين يفرض ضغطًا سياسيًا متزايدًا على إسرائيل. كما أن اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين مكنها من الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015، وهو ما أتاح لها فرصة فتح تحقيقات في الانتهاكات والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل.
لقد كانت الأدوات المتاحة لإسرائيل للتعامل مع الضغوط السياسية الناجمة عن الاعتراف بفلسطين محدودة، وتقتصر على إصدار بيانات الإدانة والتنديد، وفرض المزيد من القيود المادية على الفلسطينيين، بالإضافة إلى ممارسة بعض الضغوط الدبلوماسية لمنع دول أخرى من الاعتراف بفلسطين. إلا أن هدفها الاستراتيجي الأسمى ظل يتمثل في مسار قضم الأراضي الفلسطينية وتغيير الواقع الديموغرافي على الأرض.
فقد كان المقترح في البداية إقامة دولة فلسطينية على مساحة تمثل 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وذلك في خطاب أريحا عام 1965. ولكن اليوم، لم يتبق من تلك المساحة إلا نصفها فقط، وبشكل مقسم ومشتت، حيث يساهم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ونقاط التفتيش العسكرية في جعلها تبدو على الخريطة كجزر متفرقة ومنعزلة.
غير أن قضم الأراضي دون تهجير الفلسطينيين بشكل نهائي ودائم يغير الجغرافيا، ولكنه لا يغير التركيبة السكانية. وهذا الأمر يجعل تحول اليهود إلى أقلية في دولتهم مسألة وقت، نظرًا لارتفاع معدلات النمو السكاني بين الفلسطينيين. وهذا تحديدًا هو ما سعى إسحاق رابين إلى معالجته في اتفاق أوسلو عام 1993. فصحيح أنه كان يطمح إلى أن يُذكر في التاريخ كرجل سلام، إلا أنه كان ينظر أيضًا إلى حل الدولتين على أنه السبيل الأمثل للحفاظ على دولة يهودية تتفادى أي تحديات ديموغرافية مستقبلية.
وهذا ما يدفع بنيامين نتنياهو إلى الاستمرار في استغلال ما يعتبره "هدية" من حركة حماس، بهدف دفع الفلسطينيين إلى أحد أمرين؛ إما الموت جوعًا في فلسطين المحاصرة، أو الموت في المنافي بعد الرحيل عنها دون أمل في رؤية أشجار الزيتون مرة أخرى. وبالتالي، فإن هدفه النهائي هو القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية كسبيل نحو الحفاظ على هوية يهودية خالصة للدولة دون أي تهديدات ديموغرافية في المستقبل.
لكن صبر الغرب، قبل غيره، بدأ ينفد من السياسات التي يتبناها نتنياهو، خاصة تلك المتعلقة بتجويع وقتل الأطفال الفلسطينيين الذين يبحثون عن الحد الأدنى من الغذاء في غزة. ولم يعد أي زعيم غربي قادرًا على تحمل الضغوط الناجمة عن الصور المروعة التي تبثها شاشات التلفزيون. وفي هذا السياق، يأتي التحرك المهم من فرنسا، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
كما دعا أكثر من ثلث أعضاء مجلس العموم البريطاني رئيس الوزراء كير ستارمر إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما يبدو أنه أمر سيقوم به في نهاية المطاف، وما إرجاؤه إلا لتجنب إثارة غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعتزم زيارة المملكة المتحدة في سبتمبر المقبل.
وعليه، يدرك الفلسطينيون، أكثر من غيرهم، أن الإسرائيليين، ومنذ إنشاء الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر، يعيشون صراعًا عميقًا حول التاريخ والهوية، ويسعون جاهدين للترويج لرواية تهدف إلى إلغاء التاريخ الفلسطيني تمامًا.
ختامًا، فإن كل هذه الضغوط السياسية المتزايدة على إسرائيل تمنح الفلسطينيين الفرصة الأخيرة لإثبات للعالم أنهم موحدون نحو بناء دولة جامعة وشاملة لجميع الفلسطينيين، ولا تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. وذلك من أجل تجنب سيناريو قد يمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة من سنوات الفرص الضائعة.
لقد مُنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة منذ عام 1974. وفي تطور هام، حصلت دولة فلسطين على العضوية بصفة مراقب في نوفمبر من عام 2012، وذلك في استجابة لتعثر مسيرة السلام وتهدف إلى دعم الشعب الفلسطيني في تحقيق تقرير مصيره. وقد صوتت أغلبية ساحقة من الدول، تجاوزت نسبتها 70%، لصالح هذا القرار التاريخي.
لطالما كانت الدول العربية والإسلامية هي الداعم الرئيسي والتقليدي للحقوق الفلسطينية المشروعة، مدعومةً بمساندة قوية من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وعلى النقيض من ذلك، ظل الاعتراف الأوروبي والغربي بفلسطين محدودًا للغاية، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى الاعتبارات السياسية المتعلقة بإسرائيل.
إلا أنّ العقد الأخير شهد تصاعدًا ملحوظًا في الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين. كانت السويد أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتخذ هذه الخطوة الجريئة في عام 2014. وسبقتها في ذلك دول أوروبية لم تكن منضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي آنذاك، مثل التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا. لكن الحرب الأخيرة التي اندلعت في السابع من أكتوبر عام 2023، شكلت حافزًا إضافيًا للعديد من الأوروبيين للاقتناع بأن حل الدولتين يمثل الخيار الأمثل والوحيد لوقف نزيف هذا الصراع المزمن.
وفي هذا السياق، بادرت كل من إسبانيا وإيرلندا والنرويج إلى الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين العام الماضي. وقد مثّل هذا الإعلان إيذانًا ببدء دخول دول أوروبا الغربية في مسيرة الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، على الرغم من أن الجميع يتجنب الخوض في تفاصيل حدود هذه الدولة.
ممّا لا شك فيه أن تزايد أعداد الدول التي تعترف بفلسطين يفرض ضغطًا سياسيًا متزايدًا على إسرائيل. كما أن اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين مكنها من الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015، وهو ما أتاح لها فرصة فتح تحقيقات في الانتهاكات والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل.
لقد كانت الأدوات المتاحة لإسرائيل للتعامل مع الضغوط السياسية الناجمة عن الاعتراف بفلسطين محدودة، وتقتصر على إصدار بيانات الإدانة والتنديد، وفرض المزيد من القيود المادية على الفلسطينيين، بالإضافة إلى ممارسة بعض الضغوط الدبلوماسية لمنع دول أخرى من الاعتراف بفلسطين. إلا أن هدفها الاستراتيجي الأسمى ظل يتمثل في مسار قضم الأراضي الفلسطينية وتغيير الواقع الديموغرافي على الأرض.
فقد كان المقترح في البداية إقامة دولة فلسطينية على مساحة تمثل 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وذلك في خطاب أريحا عام 1965. ولكن اليوم، لم يتبق من تلك المساحة إلا نصفها فقط، وبشكل مقسم ومشتت، حيث يساهم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ونقاط التفتيش العسكرية في جعلها تبدو على الخريطة كجزر متفرقة ومنعزلة.
غير أن قضم الأراضي دون تهجير الفلسطينيين بشكل نهائي ودائم يغير الجغرافيا، ولكنه لا يغير التركيبة السكانية. وهذا الأمر يجعل تحول اليهود إلى أقلية في دولتهم مسألة وقت، نظرًا لارتفاع معدلات النمو السكاني بين الفلسطينيين. وهذا تحديدًا هو ما سعى إسحاق رابين إلى معالجته في اتفاق أوسلو عام 1993. فصحيح أنه كان يطمح إلى أن يُذكر في التاريخ كرجل سلام، إلا أنه كان ينظر أيضًا إلى حل الدولتين على أنه السبيل الأمثل للحفاظ على دولة يهودية تتفادى أي تحديات ديموغرافية مستقبلية.
وهذا ما يدفع بنيامين نتنياهو إلى الاستمرار في استغلال ما يعتبره "هدية" من حركة حماس، بهدف دفع الفلسطينيين إلى أحد أمرين؛ إما الموت جوعًا في فلسطين المحاصرة، أو الموت في المنافي بعد الرحيل عنها دون أمل في رؤية أشجار الزيتون مرة أخرى. وبالتالي، فإن هدفه النهائي هو القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية كسبيل نحو الحفاظ على هوية يهودية خالصة للدولة دون أي تهديدات ديموغرافية في المستقبل.
لكن صبر الغرب، قبل غيره، بدأ ينفد من السياسات التي يتبناها نتنياهو، خاصة تلك المتعلقة بتجويع وقتل الأطفال الفلسطينيين الذين يبحثون عن الحد الأدنى من الغذاء في غزة. ولم يعد أي زعيم غربي قادرًا على تحمل الضغوط الناجمة عن الصور المروعة التي تبثها شاشات التلفزيون. وفي هذا السياق، يأتي التحرك المهم من فرنسا، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
كما دعا أكثر من ثلث أعضاء مجلس العموم البريطاني رئيس الوزراء كير ستارمر إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما يبدو أنه أمر سيقوم به في نهاية المطاف، وما إرجاؤه إلا لتجنب إثارة غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعتزم زيارة المملكة المتحدة في سبتمبر المقبل.
وعليه، يدرك الفلسطينيون، أكثر من غيرهم، أن الإسرائيليين، ومنذ إنشاء الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر، يعيشون صراعًا عميقًا حول التاريخ والهوية، ويسعون جاهدين للترويج لرواية تهدف إلى إلغاء التاريخ الفلسطيني تمامًا.
ختامًا، فإن كل هذه الضغوط السياسية المتزايدة على إسرائيل تمنح الفلسطينيين الفرصة الأخيرة لإثبات للعالم أنهم موحدون نحو بناء دولة جامعة وشاملة لجميع الفلسطينيين، ولا تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. وذلك من أجل تجنب سيناريو قد يمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة من سنوات الفرص الضائعة.